=
=
=
قراءة في مقال (للرفاق المتحوثين: عن الحركة الحوثية)*
=
=
أنس القاضي
يبدأ الكاتب المقال بالحديث عن مجمل القوى الاجتماعية البائسة ومبرر الخروج ضد الحكومة "حكومة الوفاق" وافتقارنا للحزب الطليعي... ثم يتجه لمحاكمة نوايا بعض هذه القوى التي خرجت على الحكومة أي "الحوثيين"، وهو خروج عن المنهج الماركسي الديالكتيكي الذي يدرس الوقائع المادية وليس له علاقة مطلقاً بمحاكمة النوايا الغيبية.
ويردف "لأن هذه القوى تريد إعادة تشكيل الحكومة بما يضمن حصولها على حصة أكبر، انطلاقاً من توسع نطاق سيطرتها على الأرض- والآتي من قوة السلاح واستخدامها لخطاب مذهبي وحشد سُلالي". ماذا يُريد أن يقول الكاتب في هذا المقطع، هل يُريد أن يقول إن الأيديولوجيا المذهبية (أي الوعي) هي القوى المحركة الأساسي للصراع وتوسع نفوذ "الحوثي"، ضارباً القاعدة الماركسية (أن الصراع الطبقي هو القوة المحركة للتاريخ)، ومتجاهلاً أن الأوضاع الاجتماعية البائسة لقبيلة حاشد –مثلاً- هي التي دفعتهم لمناصرة الحوثي ضد آل الأحمر. ويذكر الحشد السُلالي وكأنه مُبرئ الشعب من مغبة مناصرة "أنصار الله"!، والمعلوم من خصومهم "بيت الأحمر" أن بعض من قاد المعارك الميدانية في حاشد كانوا من أبناء عمومة الأحمر، وليس لهم علاقة سلالية وعرقية مع بيت بدر الدين الحوثي، ومتناسياً أن صعدة كلها ليست من عرق واحد ينتمي لبيت بدر الدين الحوثي وأن أنصار هذا المكون موجودون في كل المناطق اليمنية من صعدة حتى تعز ومن "السُنة" و"الزيود" و"الشوافع". في الجزء الثاني من المقطع الأول من المقال يقول إن دافعه للكتابة ليس حدثاً ومبرراً الخروج عن الحكومة ((دافعي الحقيقي هو ارتفاع بعض الأصوات المحسوبة علي اليسار القائلة بثورية الحركة الحوثية واعتبارها بدلاً ثورياً وتقدمياً يقاوم الإمبريالية الرأسمالية)).
في بداية المقال تحدث أنه ليس لدينا "حزب طليعي" الذي من مهامه الأُممية أن يكون مقاوماً للإمبريالية والصهيونية العالمية.. فإذا كنا لا نملك هذا الحزب، فحركة الحوثي –كما يسميها- ليست بديلاً عن أحد ثم أن "أنصار الله" يقدم نفسه في خطابه السياسي الرسمي كونه مكوناً سياسياً يتبع (المسيرة القُرآنية) ولم يقدم نفسه على أنه بديل تقدمي شيوعي لنحاكمه على تقصيره في أداء مهام الأحزاب الشيوعية والتقدمية، أما خطابه الأيديولوجي الخاص تجاه قواعده فشيء خاص به فكما أنهم -كزيود- يؤمنون بأحقية آل البيت فنحن "في الحزب الاشتراكي اليمني" من صلب أيديولوجيتنا الاشتراكية الحق بدكتاتورية الطبقة العاملة، بينما ليس في نظامناً الداخلي ولا في خطابناً السياسي للآخر أي إشارة إلى ذالك، بل ليس في نظامنا الداخلي-الحالي- أي إشارة للصراع مع الرأسمالية، إذن لن يكون أحد بديلاً عنا إذا كنا غير موجودين أصلاً بهذا الحقل من الصراع الأُممي. - يريد الكاتب الإثبات أن إيران وحزب الله ليس لهما علاقة بالعداوة مع الإمبريالية والصهيونية العالمية وبالتالي فإن حركة أنصار الله التي تعتبر امتداداً لهم ليس لهما أيضاً علاقة بهذا الصراع فيدخل في نقد التجربة الإيرانية، مقدماً بأن الإمبريالية من بعد حركات التحرر الوطنية أصبحت تستخدم أدوات جديدة كصندوق النقد للسيطرة على مقدرات الشعوب ويقول "إيران جزء من هذا النظام وهي لم تعلن يوماً عداءها له، بل هي متماهية معه" إن هذا النص يقول :إيران جزء من النظام الإمبريالي المسيطر على مقدرات الشعوب،وإيران لم تعلن يوماً عداءها لإمبرياليتها ولسيطرتها على مقدرات الشعوب، وإيران متماهية مع نفسها. ويبدو متيقناً من هذا الأمر ((فإيران
=====
متماهية معه من خلال تبني اقتصاديات السوق المفتوح)) إذن ما النقيض لهذا الاقتصاد المفتوح؟ أليس أن تكون الدولة موجهة ومخططة للإنتاج، إذا كان هذا هو النقيض فإيران دولة اقتصادها مخطط مركزياً وليس مفتوحاً على السوق. مع تجاهله أن إيران تعيش حالة حصار اقتصادي وأنه بدون الاقتصاد المخطط ذي الانحيازات الاجتماعية للكادحين لا تستطيع أي دولة أن تصمد، وأن اقتصاد الحصار هو اقتصاد مخطط وموجه بالضرورة، وإلا لانهارت هذه الدول المُحاصرة اقتصادياً. ككوبا وكوريا الشمالية. ولكي يثبت يقيناً أن إيران ليست في حالة عداء مع الإمبريالية يقول إنه كانت هناك بوادر لوجود قطب آخر مناهض متمثل في دول "البريكس" وإيران لم تنضم له ((إيران إذن تسبح في فلك الرأسمالية العالمية)) بمجرد أن إيران لم تنضم فهي تسبح في فلك الرأسمالية العالمية. لنكون اكثر موضوعية سنقول مثلاً كوريا الشمالية ليست عضواً في البريكس، فهل بالضرورة أن تكون تسبح في فلك الرأسمالية؟ هل الانضمام لهذه المنظمة معيار، وهل كل الدول التي كانت منضوية تحت المعسكر الاشتراكي سابقاً كانت في حالة عداء حقيقي مع الإمبريالية؟ يبقى "حزب الله" لم ينقده - نعم هاهو يستدرك الأمر ((الأمر كذالك حتى بالنسبة لحزب الله، الذي وبمجرد وصوله للسلطة تبنى نفس
السياسات الاقتصادية التي كانت تتبناها حكومة الحريري)) هل لدى الكاتب جهل بالوضع السياسي في لبنان؟ وأنها دولة طوائف دستورياً.. وأن حزب الله الذي لا يقدم نفسه على أنه حزب اشتراكي أو شيوعي بل حزب مقاومة وصل إلى الحكومة وأن الحكومة ليست بمقدورها أن تغير التوجهات الاقتصادية بل إن البرلمان مِن حقه أن يعدل القانون بشان شكل الاقتصاد، فهل حصل حزب الله على الأغلبية البرلمانية أم أن البرلمان مقسم طائفياً، وهل وصل حزب الله للحكومة بآليات ديمقراطية فيحتكم للدستور، أم وصل بانقلاب ثوري وشيوعي احمر كان عليه أن ينتهج دكتاتورية البروليتاريا ويغير الاقتصاد.. ولمَ يتناسَ أن حزب الله استطاع أن يؤلف جبهة مقاومة عريضة في الداخل اللبناني والإقليمي لم تتوحد من قبل، من هذا كله هاهو يضع مجساته على "الحركة الحوثية" لضربها في الصميم فهي لا تختلف عن حركة الإخوان المسلمين ((تستند على نفس الأدوات التي اعتمدت عليها حركة الإخوان المسلمين في التمدد والتوسع منذ نهاية الستينيات وهي أدوات رجعية بامتياز ))، يتجاهل هنا البناء الأيديولوجي الذي يفترض أن يحكم القواعد فهو لا يفرق بين الأيديولوجية الشيعية الثورية تاريخياً وبين الأيديولوجية السنية السلفية والجامدة تاريخياً... وكيف تكون الأدوات رجعية؟؟ يعرف اليساريون أن الرجعية هي الخطاب الذي يخدر ثورية الجماهير لصالح بقاء السُلطة، فهو يمتدحها ويحاول تغطية وتبرير استغلالها واستبدادها... وهذا الخطاب لم نسمعه من الحوثي.. أما ما يقصد به بأن الحوثي يتبع خطوات الإخوان المسلمين هو تهرب من حقيقة أن الحوثي يستخدم نفس النهج الذي كانت تستخدمه الجبهة الاشتراكية "جودي" بل إن حتى معظم القيادات الميدانية العسكرية التي تخوض الكفاح المسلح هي قيادات جبهوية يسارية، بينما لم يستخدم أنصار الله حتى اليوم خطاب التكفير أو العبوات الناسفة والعمليات الانتحارية التي تميزت بها مسيرة الإخوان المسلمين وربيبها
تنظيم القاعدة. وليس هناك فرق، فالسلفي يقول الحوثيين أخطر من اليهود والكاتب يقول الحوثية اخطر من الإخوان لماذا؟ ((إلا أنها أسوأ من حركة الإخوان حيث إنها تؤسس لصراع طائفي وتحشد باتجاهه)) وهذا قلب –تماماً- للحقائق أعرف ناس من قرية شرعب في ريف تعز سافروا إلى (دماج) للقتال ضد "الحوثي المجوسي" كما يسمونه بينما لم يصل الحوثي إلى شرعب لقتال الإخوان والسلفيين، المار في تعز يلاحظ أن جدران شوارع تعز كلها لعن للحوثي واتهامه بالكفر والعمالة وسب الصحابة ودعوة الناس لإخراجهم ذبحاً، كل هذه تدلل على أن من يحشد طائفياً هم "الإخوان" و"السلفيون" وربما طرف آخر أمني ولم نسمع على لسان رسمي لأنصار الله يكفرون بها "السنة" أو يدعون طائفياً لقتال السنة..ألا يبدو جلياً ماكينة مَن الإعلامية اليمنية والخليجية التي كانت تجيش طائفياً لنصرة السنة في دماج!. ويردف ((كما أن تعريف الحركة الحوثية للعدالة الاجتماعية ونظرتها للطبقات الفقيرة والطبقات المسحوقة غير بينة الملامح في أدبياتها وخطابها))، لن نتساءل هنا، ما الفرق بين الطبقات الفقيرة والطبقات المسحوقة إنما سنتابع ((لكي تنتفي أي علاقة للحركة بهذه الفئات،بمجرد النظر إلى رؤساء الحركة الذين بمعظمهم ينتمون لما يسمون أنفسهم آل البيت)) أولاً الفقراء والمسحوقون كانوا طبقات ثم أصبحوا فئات ولا ادري كيف حدث ذلك؟ ولا وجود لذكر علاقات الإنتاج بينهم وبين رؤساء أنصار الله، لكن ما يدور حوله المقال الجوهر الذي يريد أن يوصله منذ العنوان "للرفاق المتحوثين: عن الحركة الحوثية".. وما الذي يجعله متأكداً أنه لا علاقة لهم بهذه الفئات وأن معظم رؤسائها ينتمون إلى يسمون أنفسهم "بآل البيت"... إن هذا طرح تحريفي ما أنزل (كارل ماركس) به من سلطان حيث تصبح هذه القيادات طبقية، ولا علاقة لها بالهموم والتطلعات الاجتماعية بمجرد كونها من آل البيت أي أن من يحدد المراكز الطبقية ليست علاقات الإنتاج بل النسب.
*الكاتب محمد أحمد أبو إصبع صحيفة الشارع عدد (745)