النظام اليمني بعد المبادرة الخليجية: بدائل محدودة ومخاطر كبيرة
10 الساعة 14:04:45
صالح والخليج
صالح والخليج
التغيير – صنعاء :
قواعده داخل اليمن، وقد يخسر فرصة الخروج الآمن وعدم الملاحقة القضائية إذا تخلت عنه دول الخليج بعد رفضه التوقيع على مبادرتها. إذ يمكن أن يلجأ الخليجيون إلى مجلس الأمن إذا تيقنوا بأن تشبث صالح بالسلطة سيزعزع أمن واستقرار المنطقة.
فلقد بات جليا، بعد كثير من الأخذ والعطاء وتأرجح مواقف الأطراف اليمنية بين القبول التكتيكي بالمبادرة الخليجية والرفض الاستراتيجي لها، أن الجهود الخليجية لحل الأزمة اليمنية قد اصطدمت برفض الرئيس علي عبد الله صالح التوقيع على المبادرة التي كان هو نفسه قد كتب مسودتها الأولى.
وبينما يبرر صالح رفضه التوقيع بالعديد من الأسباب المتناقضة، فإن الواضح كما يؤكد الكثيرون أن تلك الأسباب تصب في مجملها في خانة التمسك بالسلطة باسم الشرعية الدستورية والسعي إلى الالتفاف على ثورة اليمنيين ضده، ومطالبتهم له بالرحيل الفوري عن السلطة، من خلال اتهامه لهم بالانقلاب على الشرعية.
تأثير العامل الخارجي: تشابك المصالح
تشكل الشرعية الإقليمية (والدولية بدرجة أقل) بالنسبة للنظام اليمني، لأسباب اقتصادية بشكل أساسي وسياسية بشكل ثانوي، العامل الأكثر تأثيرا في قبول اليمنيين بالنظام وفي قدرته على البقاء والاستمرار. وبناء على ذلك، فإن القول بأن فرص تحقيق المبادرة الخليجية لأهدافها تبدو ضعيفة لا ينبغي أن يفهم على أن الدول الخليجية لا تملك تأثيرا على استمرار النظام اليمني وإن اختلف ذلك التأثير من دولة إلى أخرى.
فما كان لصالح نفسه، على سبيل المثال، أن يصل إلى السلطة في عام 1978 دون أن يحصل على موافقة مسبقة ودعم قوي من قبل السعودية التي سعت إلى إقناع قوى يمنية بقبوله. وما كان لصالح أن يصمد مثلا في مواجهة التمرد الحوثي خلال السنوات الخمس الأخيرة دون الدعم السعودي الكبير بأشكاله السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية. وقد أدرك صالح ومنذ وقت مبكر أهمية الدعم الخارجي لنظامه، والخليجي على نحو خاص، فعمل منذ بداية العقد الأخير من حكمه على البحث عن أسباب تبرر استمرار حكمه للمجتمعين الإقليمي والدولي.
الوساطة الخليجية: توافق دولي
كما أنه لا يمكن الحديث عن دور دولي في اليمن بمعزل عن دول الخليج فإنه لا يمكن أيضا الحديث عن وساطة خليجية في اليمن بمعزل عن دور الفاعلين الدوليين وخصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد بدا مثل هذا الأمر واضحا منذ بدء الوساطة الخليجية حيث سارعت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تأييد الجهود الخليجية للتسوية في اليمن حتى قبل أن تتبلور وتعلن المبادرة الخليجية.
وقد تأكد ذلك عندما عقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة لمناقشة الوضع في اليمن حيث اكتفى من خلال تصريحات أدلى بها ممثلو الدول الأعضاء بالتعبير عن دعمه للجهود الخليجية للتوصل إلى حل يجنب اليمن الفوضى.
وهناك أسباب تجعل الغرب يصر على محورية الدور الخليجي في اليمن. السبب الأول هو أن اليمن يمثل بالنسبة لدول الخليج وخصوصا للسعودية الحديقة الخلفية، ولا يبدو أن الفاعلين الدوليين يسعون لإثارة أية حساسية لدى حكام السعودية في مرحلة تشهد فيها المنطقة الكثير من الاضطرابات، وتوجّه فيها أصابع الاتهام نحو الغرب، وتحديدا نحو الولايات المتحدة، حيث أن إدارة اوباما قد أغضبت حكام السعودية وبعض دول الخليج الأخرى بموقفها من مبارك ونظامه.
ولا تريد أن تزيد من حدة ذلك الغضب الذي يرجّح أن السعوديين قد عبّروا عنه من خلال القنوات الدبلوماسية. ويدرك الفاعلون الدوليون، ولا يجدون حرجا في الإعلان عن ذلك صراحة، أن الخليجيين وحدهم هم من يملك الموارد المطلوبة لمنع اليمن من الانزلاق إلى سيناريوهات غير مرغوب فيها، وهم وحدهم من سيتحمل فاتورة التكاليف في حال خرجت الأمور عن السيطرة.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تتبع نمطا تاريخيا يتمثل في الحفاظ على حد أدنى من التدخل في اليمن مع ترك مهمة التعاطي مع متغيراته الأخرى للملكة العربية السعودية والى حد أقل دول الخليج الأخرى.
ويتعلق السبب الثاني حتى الآن على الأقل بعدم وجود تناقض بين الموقفين الإقليمي والدولي فيما يخص نظام صالح، حيث تعكس التحركات وجود انسجام وتوافق بين الفاعلين الإقليميين والدوليين على الخطوط العامة لما ينبغي عمله في اليمن. وإذا كان صالح، من خلال مهاجمة دولة قطر وتحميلها مسئولية ما يجري في اليمن، قد حاول إيجاد موقفين خليجيين كما اعتاد أن يفعل خلال مراحل الصراع مع التمرد الحوثي فإن المناورة لم تنجح هذه المرة لأن القوى التي اتهم قطر بدعمها ضد نظامه بدت أقرب إلى السعودية منها إلى قطر.
واصطدمت محاولة صالح بتحويل ما يجري في اليمن إلى صراع قطري سعودي بتوافق خليجي تم التعبير عنه في بيان وزراء خارجية مجلس التعاون المنعقد في الرياض في الأول من مايو/أيار، حيث رفض واستهجن الاتهامات التي وجهها صالح لدولة قطر.
دول الخليج: من الوساطة إلى الضغوط؟
لم يعد هناك دعم إقليمي أو دولي لبقاء نظام صالح، وإذا كان هناك من دعم فإنه لا يتجاوز مسألة الخروج المشرف لصالح وأسرته والحصول على ضمانات بعدم المحاكمة والملاحقة. ويبدو أن إدارة أوباما فيما يتعلق بهذه النقطة تحديدا قد أرادت مراعاة مشاعر السعوديين الذين كانوا قد صدموا بالطريقة التي تمت بها معاملة الرئيس المخلوع حسني مبارك. إلا أن مشكلة صالح الجوهرية كما تعكسها مواقفه وتصرفاته هي أنه وصل إلى مرحلة أصبح فيها عاجزا عن المناورة السياسية للبقاء في السلطة ولم يبق له إلا الخيار العسكري مع كل المخاطر المترتبة عليه.
ومن الطبيعي في ظل الدعم الدولي الكبير للمبادرة الخليجية ورفض صالح لها أن تزداد الضغوط الدولية على الرئيس ونظامه، وقد بدأ ذلك الضغط في التصاعد من خلال مسارعة الصين وروسيا إلى تأكيد دعمهما للمبادرة الخليجية لتزيلا بذلك أي شك يمكن أن يساور صالح بأن أيا من الدولتين تدعم تشبثه بالسلطة أو تراهن على بقائه أو أن بإمكانه أن يلعب على تناقضات الشرق والغرب كما اعتاد أن يفعل خلال فترة الحرب الباردة.
وليس من المستبعد اعتمادا على الكيفية التي يمكن أن تتطور بها الأمور على الأرض أن تطلب الدول الخليجية من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وضع ما يجري في اليمن على أجندته على اعتبار أنه يمثل تهديدا للأمن الإقليمي والدولي. وذلك حين يقتنع السعوديون بالضغط على صالح مثلما ضغط أوباما على مبارك.
وفي حين سوف يحاول صالح جاهدا استعادة توازن نظامه، وقد بدا ذلك واضحا من خلال حملة الاتصالات المكثفة التي قام بها هو ورئيس مجلس نوابه مستهدفين الدول الخليجية فيما عدا قطر، ومن خلال محاولاته المتتابعة لشق صفوف المعارضة السياسية وإثارة الخلافات بين مكونات الثورة الشبابية، فإن قوى الثورة قررت التصعيد في احتجاجاتها بعد أن وصلت إلى قناعة بأن جهود الوساطة الخليجية قد اصطدمت برفض النظام اليمني.
ويتوقع أن تشهد الأيام القادمة، وقّع صالح على المبادرة الخليجية أو لم يوقّع، تصاعدا في أنشطة التظاهر والاعتصام مصحوبة بتصاعد في وتيرة العنف من قبل "بلاطجة" النظام وأنصاره وأجهزته الأمنية التي يسيطر عليها أفراد أسرته.
وسيظل احتمال حدوث مواجهة عسكرية بين القوات التابعة للواء علي محسن الأحمر التي أعلنت انشقاقها عن صالح وبين قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي التي يسيطر عليها الرئيس وأبناؤه وأبناء شقيقه قائما، لكن ذلك الاحتمال يظل ضعيفا في ظل تمسك علي محسن الأحمر بسلمية الثورة وتخوف صالح من خسارة المواجهة العسكرية.
وإذا خسر صالح نهائيا السند الخارجي، فإنه سيضّيع إمكانية الحصول على بلد في الخليج يقيم فيه، وقد يصير ملاحقا قضائيا من عائلات القتلى الذين سقطوا خلال الاحتجاجات.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات
[إرسال الخبر]